سبب خفيّ لأزمة البنزين في لبنان
“طوابير” في كل مكان، على مدّ العين والنظر، أمام الأفران، المصارف والصرافين، ومحطات المحروقات التي يُحاول بعضها التوزيع العادل لما يتوفّر لديها من بنزين، ويتعمد بعضها الآخر تشغيل ماكينة واحدة، وتقنين البيع، وحصر ساعات العمل، وكأن في إذلال الناس مربحاً لهؤلاء.
تُولد الأزمات فجأة، وتختفي فجأة، وأزمة البنزين ليست جديدة، ولكن أسبابها تتبدّل بحسب المشهد القائم في البلد، فمنذ الحديث عن رفع الدعم الأسبوع الماضي، بدأت أزمة البنزين على المحطات، وعند السؤال عن السبب يقول أحد أعضاء نقابة أصحاب المحطات في لبنان أن المشكلة ليست بالاستيراد بل بالتفريغ.
يُشير هذا العضو عبر “أحوال” إلى أن الأزمة لم تنته طيلة الفترة السابقة، إذ لم تكن الكميات المتوافرة لدى المحطات هي نفسها كما في السابق، ولكنها اشتدّت مؤخراً عندما تأخر المصرف المركزي عن إعطاء الموافقة لتفريغ حمولة إحدى البواخر الكبيرة، الأمر الذي ترافق مع الحديث عن رفع الدعم، وهذا ما جعل أصحاب المحطات يظنّون أن الشركات لن تبيعهم المحروقات قبل رفع الدعم، ما دفعهم للإعتماد على نظام التقنين بالبيع.
ويضيف: “عندما باشرت المحطات بالتقنين، وتزامن الأزمة مع نهاية شهر رمضان واقتراب عيد الفطر، تهافت المواطنون على المحطات للحصول على البنزين، وهذا ما زاد الطين بلّة، ولكن الباخرة التي كنا ننتظر تفريغ حمولتها بعد موافقة المصرف المركزي باشرت منذ يومين بالتفريغ في الخزانات بالدورة، ولن تستمر الأزمة الحالية طويلاً بعد عيد الفطر لأن الشركات وعدتنا بمباشرة التوزيع”.
سبب سياسي
بالمقابل، هناك من يتحدّث عن سبب إضافي للأزمة، خاصة عندما نُلاحظ وجود شركات تعمل على مدار النهار ولم تُقفل يوماً واحداً، وهنا تُشير مصادر معنيّة مطّلعة، أن اغلب الشركات تمتلك المخزون الكافي لتوزيعه على كامل الأراضي اللبنانية، ولكن بعضها امتنع عن التوزيع. وفي هذا السياق تكشف المصادر أن إحدى أبرز الشركات المستوردة للبنزين في لبنان، عمدت لأسباب سياسية لها علاقة بدولة أجنبية بارزة إلى إقفال 90 بالمئة من محطاتها، والإمتناع عن بيع البنزين، مع العلم أن هذه الشركة لم تُقفل هذا العدد من محطاتها طيلة المرحلة الماضية، معبرة عن قلقها من أن تكون الأسباب مرتبطة بقرار معاقبة لبنان وزيادة الضغوط عليه.
كذلك تُشير المصادر إلى أن شركة ثانية من الشركات الكبرى، أقفلت مخازنها واوقفت البيع للسوق، بسبب ما قيل عن رفع الدعم، والرغبة بتحقيق الأرباح الخيالية عبر بيع المحروقات المدعومة، على سعر جديد غير مدعوم.
انتشار السوق السوداء
تسبّبت أزمة بيع الشركات مادة البنزين للمحطات ببروز سوق سوداء في البقاع تحديداً، فأصبح سعر الصفيحة 60 ألف ليرة، تقول المصادر المطّلعة، مشيرة إلى أن امتلاك المال أحياناً لا يكفي بل تحتاج إلى “واسطة” لتحصل على المادة، أما في مناطق اخرى، فأصبح “البقشيش الوقح” جزءاً لا يتجزّأ من الوقوف على محطة الوقود، فإن أردت “تفويل” الخزان عليك دفع 10 آلاف ليرة لعامل المحطة، وإذا رفضت ذلك تصبح التعبئة محددة بـ 30 ألف ليرة.